آخبـارأخبار المؤسسة

حراك المساجد يزلزل من لم تحركهم الدماء والمجازر!

في مشهدٍ يعكس تحولاً تاريخياً، شهدت مدينة روتردام الهولندية نهاية الأسبوع مظاهرة حاشدة قادها أئمة ودعاة من مختلف أنحاء هولندا، حيث انطلقت من مسجد السلام نحو مبنى بلدية روتردام، بآلاف الحشود التي  هتفت ضدالإبادة الجماعية” في غزة، مطالبة بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل وإنهاء سياسة الكيل بمكيالين” .

وقد أكد الشيخ يوسف أفكيك (إمام مسجد الإسلام في لاهاي) أنالصمت الدولي تواطؤ، بينما وصف الشيخ نور الدين محمد (إمام مسجد أميرسفورت) التظاهرة بأنهارسالة قوية ترفض التهجير القسري“. فيما تعالت أصوات مثبطة للحراك ، الذي أماط اللثام عن تناقضاتها، لما أثبت أن التوقيت الأمثل لأي حراك يُقاس بمدى تأثيره ، خصوصا أنه جاء متزامناً مع تفاقم غير مسبوق لوتيرة الإبادة و جرائم الحرب ( كما تفيد تقارير الأمم المتحدة) ، يصحبه اعتياد مخيف للمشهد، و تضاؤل في وتيرة التفاعل الشعبي، ثم تأتي نقاط التحول السياسي في البرلمان الهولندي الذي يشهد صراعا حزبيا حول الدعم الهولندي الحكومي للاحتلال، مما يجعل السياق التنظيمي استجابة استراتيجية مدروسة، وليس تأخراً. 

تحديات المعايير والأهداف بين الأثر والخبر

طالما أن المعيار الموضوعي لأي حراك يكمن بتحقيق النتائج والأهداف، فإنه وفي السياق الاحتجاجي يوضع بعين الاعتبار الفارق الزمني بين بدء الأزمة و ردود الفعل المؤسساتية، ضمن الإطار القانوني المتاح للمساجد في أوروبا، وما يلزمه من إعدادات قانونية مدروسة و مُحكمة، قد تستغرق وقتا، لم يعطل أو يشل حركة المساجد بقدر ما  دمجها في سياق حراك شعبي عام، له ثقله و شرعيته. 

ولذلك فإن الاستئثار بقيادة الحراك بشكل صريح لم يكن هو بداية الحراك أصلا.

وبتحليل زمني موضوعي تبدو التحركات الرسمية الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية ، مثلا، وتقارير الأمم المتحدة عن خطر المجاعة والتي صدرت بعد أقل من عام على الثامن من أكتوبر 2023، و تصويت البرلمانات الأوروبية على وقف الحرب ووقف إمداد الاحتلال بالأسلحة، نجد أنها جميعا جاءت متأخرة، ومتأخرة جدا. 

فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العوائق الهيكلية التي تضع المساجد في أوروبا بين توازنات الضغوط الأمنية ( كشُبهة الإرهاب) والتعددية الداخلية ( كتباين المواقف الثقافية والحزبية) ، ثم نقارنها بمنظمة مثل أطباء بلا حدود  مثلا، والتي لها هياكل قرار مركزية ، فمن الطبيعي أن نستنتج أن معيار الفعالية يكمن إذن بترتيباتها وتوازناتها بالتالي ما نتج عنها.

الاحتجاجات عادة ما تأتي عند ذروة الاهتمام الإعلامي،  ولذلك تأتي كرد فعل متمخض عن خبر وليس عن أثر، ما يجعلها تخبو وتتضاءل ، بانحسار هذا الاهتمام ، بينما نحت مظاهرة المساجد منحى مختلفا ، حين أدارت الأمر بشكل معكوس، ففي وقت تحولت فيه الإبادة من خبر عاجل إلى خبر عادي أو عابر، جاءت مظاهرات المساجد لتعيد غزة إلى المشهد بعد التغاضي  الإعلامي، وبهذا يكون الحراك بحد ذاته أثرا وخبرا وليس مجرد ردة فعل لخبر. هذا الأثر يكمل ما سبقه وينبني عليه ، بالتالي يضمن تاثيراً سياسيا ملموسا، تجلى في الصراع المحتدم في أروقة البرلمان الهولندي بين الحزب الحاكم و معارضي سياساته. 

هنا بالضبط تتجلى حكمة الحراك والتوقيت الاستيراتيجي الذي حفظ للمساجد أثرها كحلقة وصل بين نبض الشارع و وتيرة الصراع السياسي. مع الإبقاء على منظومتها الأخلاقية والروحية وسياقها الإنساني بالتفاعل مع معاناة غزة ، بعيدا عن كونها جهة سياسية يتم إقحامها في لعبة المصالح السياسية.

تظاهرة المساجد: أزمة توقيت أم أزمة ضمير؟ 

تحولت مظاهرة المساجد في روتردامالتي تزامنت مع عيد الفصحإلى اختبارٍ حقيقي لازدواجية المعايير الأوروبية. فبينما حاول اللوبي الصهيوني تشويه الحدث بربطه زوراً بيوم ميلاد هتلر، كانت الأحزاب السياسية الكبرى -ومنها الحزب الحاكم الذي يجهر بالانحياز للاحتلال- يحتجون على توقيت التظاهرة ليتزامن مع احتفالات البلاد بعيد الفصح .

المفاجأة دائما في الأرقام، إذ كشفت الأرقام تحولاً تاريخياً في طبيعة العلاقة الصدامية بين الشارع والسلطة في هولندا ، فحسب دراسة (إيبسوس) يغدو ما نسبته 59% من الهولنديين معارضين لسياسة حكومتهم المؤيدة للاحتلال. وحتى دعم ناخبي الحزب الحاكم (VVD) لهذه السياسة، يشهد انخفاضا من 57%-32%. وتأتي مظاهرات المساجد في هولندا لتميط اللثام عن مفارقة فارقة، فنفس الحكومة التي ترفض انتقاد الاحتلال ( رغم مجزرة عمال الإغاثة) هي ذاتها التي سارعت لاتهام حراك المساجد بالمعادي للسامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى