أزمة كارثية في غزة تهدد نسيج الحياة ومستقبل الأجيال القادمة وتسبب أضرارا سامة للبيئة
مؤتمر فلسطينيي أوروبا- لندن
وصلت الأزمة الإنسانية في غزة إلى مستويات كارثية غير مسبوقة، تجاوزت حسب المحللين شدة الأضرار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الأزمة لم تزل تتفاقم حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، في منطقة محاصرة تتعرض إلى تضييقات حدودية يفرضها الاحتلال، على ما لا يتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، حيث عاش أكثر من 2.3 مليون شخص تحت الحصار منذ 17 عامًا. ومنذ أكتوبر 2023، قُتل 46,000 شخص، من بينهم 14.00- 18,000 طفل حسب تقديرات متفرقة. وقد ارتفع عدد الضحايا الأطفال بمعدل مذهل، إذ قفز إلى أربعة أضعاف ما كان عليه في الأشهر الأولى من الحرب.
حسب موقع الأونروا، فقد ذكرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ” اليونسف” كاثرين راسل، أن الحرب أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 14.000 طفل وجرح آلاف أخرين، وخلفت ما يقدر بحوالي 17.000 طفل منفصلين عن ذويهم أو بلا عائلات، وما يقرب من مليون نازح من منازلهم. ووفقا لتقييم أولي لحجم الحطام الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة للتجمعات البشرية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن كمية الحطام الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية على غزة بلغت 50.773.496 طنا بحلول الأول من ديسمبر 2024.
مجتمع منكوب تهدده الأمراض الفتاكة وتشوهات الولادة!
أسفرت الهجمات الإسرائيلية المكثفة على غزة أيضا عن إصابة أكثر من 111.166 شخص بين أكتوبر 2023 ويناير 2025 حسب تقرير الأونروا، ودمرت الغارات الجوية الإسرائيلية مجتمعات بأكملها، مستهدفة المدنيين، والمستشفيات، والمدارس، وأسواق الطعام، والمحاصيل، والبنية التحتية الحيوية. تم تدمير أحياء كاملة تحولت إلى أنقاض، وتمزق نسيج الحياة الفلسطينية ومُحِيَتْ عائلات بأكملها من السجل الوطني الفلسطيني، تحت الحملات المستمرة من القصف والتدمير.
كشف تقرير صادر عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (UNOSAT) العام المنصرم، أن القوات الإسرائيلية دمرت 163,778 مبنى، مما أدى إلى انهيار حوالي 66% من بنية القطاع التحتية. ومن المتوقع أن يستغرق تنظيف هذا الدمار 14 عامًا، بتكلفة لا تقل عن 1.2 مليار دولار.
حجم الأضرار هائل، والوضع أصبح أكثر تعقيدًا بسبب وجود الذخائر غير المنفجرة، والمواد الخطرة مثل الأسبستوس المدفونة تحت الأنقاض، مما يشكل خطرًا جسيما على حياة الناجين.
لا تزال آلاف الجثث عالقة تحت الأنقاض، ليزيد هذا من تعقيد الأزمة، مع تقارير لوزارة الصحة في غزة تفيد أن عدد الجثث التي لا تزال تحت المنازل التي تم قصفها وتسويتها بالأرض قد يصل إلى أكثر من 10,000جثة.
سجلت منظمة الصحة العالمية نحو مليون حالة إصابة بالتهابات تنفسية حادة خلال العام الماضي، ونسبة مهولة من تراكم الحطام المحمل بالغبار السام والأسبستوس، وهو ما يعرض المواطنين لخطر انتشار الأمراض القاتلة مثل السرطان والأمراض التنفسية، كما أنه يلوث البيئة ويهدد الهواء الداخلي والغلاف الجوي منذرا بأزمة بيئية حادة. يواجه نحو 2.3 مليون شخص في غزة جراء تسرب المعادن الضارة إلى الجو والمياه الجوفية أخطارا محدقة. وفوق كل هذا، هناك تلوث واسع النطاق لمياه البحر وتراكم النفايات غير المعالجة. هذه الكوارث دفعت الأطباء إلى توجيه نداءات تحذير بشأن العواقب طويلة الأمد، محذرين من زيادة كبيرة في معدلات السرطانات وتشوهات الولادة في العقود القادمة، ما يعني أن كل حياة تنبثق من وسط الموت يهددها موت ينبثق من حياة محفوفة بأخطار صحية تظهر آثارها في سنوات وعقود مقبلة.
أرقام مهولة وأمراض معدية
تم الإبلاغ عن اختفاء آلاف الأشخاص، منهم العديد من النساء والأطفال. أما النظام الإنساني في غزة فإنه يواجه الانهيار التام، حيث تم تهجير ونزوح ما يقرب معدله 90% من السكان، معظمهم تم تهجيرهم عدة مرات. كما أن الوضع الغذائي الذي يعاني منه أكثر من 96% من السكان في غزة يزداد سوءًا، مع انتشار مطرد للأمراض المعدية، وتهديدات أخرى تشمل نقص الوقود وتأثيراته على المياه والخدمات الصحية في ظل إحصاءات للأونروا تفيد بتعطل تام لأكثر من 50% من مستشفيات القطاع، المدمرة كليا أو جزئيا، ليترك 38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية فقط قادرة على العمل. وحسب تقرير تلفزيوني مصور للجزيرة الإنجليزية أمس فإن الطرق المدمرة بالآلاف، و 600.00 مترا من شبكات المياه قد أتلفت، مليون متر من نظام الصرف الصحي وأكثر من 400 بئرا تحت الأرض قد تم تدميرهم. أما مهمة إزالة الأنقاض فتواجه نقصا في المعدات والإمكانيات والمواد اللازمة. 85 % من قدرة البلديات أيضا معطلة، وهي بحاجة لآليات ومعدات ثقيلة لإعادة البناء.
بين 1 و18 يناير 2025، تم منع 115 من 301 حركة مساعدات إنسانية مخطط لها. ورغم ما تواجهه فرق الأونروا على الأرض من تحديات لوجستية وغيرها فإنها تعمل على توزيع المساعدات والخدمات، حيث تمتلك الأونروا ما يعادل 7,000 شاحنة مساعدات جاهزة للإرسال، تم نقل أكثر من 630 شاحنة مساعدات في يوم واحد من وقف إطلاق النار.، ولأن الضغوطات على المساعدات الإنسانية والضغوطات الأمنية لم تزل قائمة فإن الأمم المتحدة تلقى صعوبات في التنسيق وتوزيع المساعدات. وقد تضررت منشآت الأونروا بسبب الضربات الإسرائيلية المباشرة خلال الحرب عل غزة، لتسجل 665 حادثة أثرت على منشآتها، ما أسفر عن مقتل 744 شخصًا وإصابة 2,346 آخرين.
الوفيات والإصابات في الضفة الغربية
بين 7 أكتوبر 2023 و15 يناير 2025، قتل 829 فلسطينيًا في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، منهم 498 فلسطينيًا في 2024. بين 13 و19 يناير، سُجلت 15 حالة وفاة في الضفة الغربية، بينهم 12 قُتلوا جراء ضربات جوية، منها 6 في مخيم جنين، بالإضافة إلى طفل قُتل في 14 يناير، وقُتل طفل فلسطيني آخر في 19 يناير، وتوفي فلسطينيان في السجون الإسرائيلية بسبب الإهمال الطبي. وجاء على موقع للصليب الأحمر البريطاني أن الأزمة لا تقتصر فقط على غزة، فمشكلة الاستيطان والحملة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية زادت من أعداد المتضررين حيث وصل عدد القتلى إلى 968 في الضفة الغربية وإصابة ما لا يقل عن 15.000 بأضرار متفرقة ومختلفة.